النفايات الخطرة والضمير الإنساني Reviewed by Momizat on . النفايات الخطرة والضمير الإنساني   شهد العالم خلال العقود الأخيرة ثورة صناعية كبرى، وخصوصاً في مجال إنتاج المواد الكيمائية، وكان من الطبيعي أن يزداد حجم النفايا النفايات الخطرة والضمير الإنساني   شهد العالم خلال العقود الأخيرة ثورة صناعية كبرى، وخصوصاً في مجال إنتاج المواد الكيمائية، وكان من الطبيعي أن يزداد حجم النفايا Rating: 0

النفايات الخطرة والضمير الإنساني

النفايات الخطرة والضمير الإنساني

 

شهد العالم خلال العقود الأخيرة ثورة صناعية كبرى، وخصوصاً في مجال إنتاج المواد الكيمائية، وكان من الطبيعي أن يزداد حجم النفايات والمواد الخطرة الناجمة عن هذه الثورة الصناعية، وتعد مشكلة التلوث بالنفايات إحدى المشكلات الكبيرة التي تتعرض لها البيئة من حولنا، وتتزايد هذه المشكلة يوما بعد يوم نتيجة للزيادة في انتاج هذه المواد والتقدم الصناعي.

تعريف النفايات الخطرة تعرف المراجع العلمية هذه النفايات بأنها:«المخلفات الصناعية التي يمكن أن تتسب أو تسهم بدرجة كبيرة في زيادة الوفيات أو في حدوث مرض خطير لا يمكن الشفاء منه، أو في حدوث مرض يسبب عجزاً مؤقتاً، أو التي يمكن أن تشكل خطراً، فعلياً أو ممكنا، على الصحة البشرية والبيئة إذا ما تمت معالجتها أو تخزينها أو نقلها أو التخلص منها، أو استعمالها بطريقة غير صحيحة وعلى نحو غير سليم».
ويتضح من هذا التعريف أن النفايات الخطرة إما أن تكون سامة بحيث تتسبب في القضاء على الإنسان والأحياء فورا، أو أن تكون ذات مخاطر صحية وبيئية، بحيث لا تؤدي إلى هلاك من يتعرض لها مباشرة، بل يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تبدأ آثارها في التدمير والقتل واحداث المرض وحالات العجز والاعاقة والتسمم.

300 مليون طن

وحسب المعلومات المعلنة، ينتج الغرب سنوياً أكثر من 300 مليون طن من النفايات الخطرة، وتستأثر الولايات المتحدة الأميركية وحدها بنصيب الأسد من هذا الانتاج، إذ يبلغ اسهامها السنوي في هذاالمجال نحو 264 مليون طن متري (أي ما يعاد نحو 83.3 في المائة من اجمالي النفايات الخطرة في العالم) وتنتج دول أوروبا الغربية معظم الكميات المتبقية من هذه النفايات، وقد كان حادث ميناماتا باليابان أحد الحوادث التي حظيت بتغطية اعلامية مكثفة بين عدد كبير من المآسي المتعلقة بتفريغ النفايات الخطرة ونقلها وتخزينها والتخلص منها على نحو غير مناسب، واليوم أصبحت أسماء مثل «لاف قنال» و«تايمز بيتش» في الولايات المتحدة الأميركية، و«لكركرك» في هولندا و«ريرز دروف» في النمسا و«ب ت كيمي» في السويد مرادفة لعبارة «نفايات سامة وخطرة» وللمشكلات الناجمة عن بثها واطلاقها في البيئة.

مخاطر النفايات

 تكمن مخاطر هذه المخالفات في أنها تكون عادة مواد عالية السمية، عسيرة التحلل، وهي إذا دفنت في الأرض تسربت الى مصادر المياه الجوفية والتربة الزراعية فتلوثها، وتعود الى الإنسان مرة اخرى من خلال سلسلة الغذاء، فتؤدي الى اصابته بأمراض فتاكة وتلحق به وبالبيئة آثارا ضارة قد تمتد آثارها إلى آلاف السنين.
ومع ذلك تعد مخاطر النفايات الخطرة متواضعة الى حد ما، قياساً الى المخاطر المفزعة التي تتصف بها النفايات النووية، فالتلوث بالمواد المشعة يختلف عن سواه من حالات التلوث الأخرى من حيث عدم امكانية إتلاف المواد المشعة، والزمن هو العالم الوحيد الذي يمكنه تقليل أو انهاء النشاط الاشعاعي للنفايات النووية المشعة، وكل مادة مشعة بحاجة الى فترة معينة من الزمن حتى يهبط نشاطها الإشعاعي الى نصف قدرته الأصلية، ويطلق علي هذه الفترة اصطلاح (نصف العمر)، ويعتمد طول فترة نصف العمر هذه على طبيعة المادة المشعة وخصائصها، فاليود، على سبيل المثال، له نصف عمر قصير نسبيا يبلغ ثمانية أيام، في حين يبلغ نصف عمر السيزيوم ثلاثة وثلاثين سنة، وهكذا فإن إشعاعات النفايات النووية ومخاطرها لا تنتهي بعد دفنها، بل تستمر في بعض ال أحيان الى مئات السنين، اعتماداً على فترة نصف عمرها.
وقد بذلت جهود مضنية ولسنوات عديدة لمعرفة تأثير المواد المشعة على جسم الإنسان، ولكن صعوبة بل استحالة اجراء تجارب كهذه على البشر حالت دون تقدم هذه البحوث الى المستوى المطلوب، لذلك فإن معظم معلوماتنا عن تأثيرات الإشعاع تستند الى الحوادث التي يسببها التعرض للإشعاعات والتي قد ينتج عنها أمراض عديدة مثل سرطان الدم وسرطان الرئة أو سرطان أي عضو آخر في الجسم، بالاضافة الي دراسة نتائج الكوارث التي تتعرض لها البشرية مثل القصف الذري الذي استخدم ضد اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، حيث اجريت بحوث ودراسات على من بقي على قيد الحياة من البشر، وبالاضافة الى ذلك، تجرى بحوث مستمرة على الحيوانات لمعرفة تأثير الإشعاع عليها، ومحاولة الاستفادة من معرفة تأثيره على الإنسان.
وقد يظهر تأثير الجرعة الحادة من الاشعاع في الإنسان المتعرض لها بعد فترة زمنية قصيرة لا تتعدى ستين يوما، وقد يتأخر ظهورها الى فترة أطول، ويتوقف ذلك على الفروق الفردية (الطبيعية) بين البشر، وقد تظهر جميع التأثيرات بدرجات على الاشخاص، واذا تعرض إنسان الى جرعة منخفضة من الإشعاع فلن تظهر عليه أية حالات، ولكن عند زيادتها قليلاً عن الحد الأدنى لتحمل الإنسان تحدث تغيرات طفيفة في دمه فقط.
وربما كانت الأخطار الناجمة عن الانفجارات النووية مؤشراً حول أخطار المواد المشعة، فقد أدت حوادث الاشعاع الحادة والعديدة في العالم منذ عام 1901م الى تأثيرات خطيرة من جراء التعرض المفرط للاشعاع القاتل، وكان هناك قرابة120000 حالة وفاة بين المدنيين في هيروشيما وناجازاكي من جراء التفجيرات الذرية التي أجرتها الولايات المتحدة الأميركية فوق المدينتين في عام 1945. وتشير بعض الدراسات الى ان الإنسان إذا تعرض لجرعة (ذات قدر معتدل) من النفايات المشعة فإن نحو 5 في المائة من الناس يبدأون بالتقيؤ خلال الساعات الأولى من تعرضهم لها، ويشعرون بتعب وفقدان الشهية ويحدث تغير ملحوظ في دمهم، وإذا كانت الجرعة عالية يحدث القيء خلال الساعتين الأوليين أو أقل من ذلك، مع تغير كبير في الدم يكون مصحوبا بنزف وسقوط الشعر.
وتقدر نسبة الوفيات في هذه الحالة بين 80 في المائة الى 100 في المائة وتحدث خلال شهرين، وإذا تعرض جزء معين من جسم الإنسان للإشعاع ­ بدلا من الجسم كله ­ فإن الأذى يكون أقل، وتعتمد نتائجه المكبرة على الجزء المعرض، وتشير البيانات الى ان تعرض الإنسان لجرعة عالية من الإشعاع، ولو لمرة واحدة في حياته، قد تؤدي الى الاصابة بالسرطان أو تعتيم عدسة العين أو العقم أو حدوث طفرات وراثية أو تفسخ أعضاء الجسم بسبب اخفاقات الأنسجة المتعرضة في تجديد خلاياها، وقد يحدث ذلك بعد فترة زمنية طويلة من التعرض، ويلاحظ أنه حتى بعد معالجة النفايات الخطرة أو السامة فإن خطرها قد يستمر على صحة الناس والبيئة نتيجة لتلويث الهواء والمياه والتربة، فإحراق وترميد النفايات سواء أرضا أو بحراً يلوث الجو والبيئة المحيطة إذا تم من دون قيود وضبط، وكذلك كثيرا ما يؤدي تفريغ المواد الخطرة في البحار أو البحيرات أو الانهار الى قتل الأسماك، ويضاف الى ذلك ان طرح النفايات أرضا في مواقع مهجورة أو في مرادم لا تخضع لمراقبة مناسبة قد يلوث كلا من التربة والمياه الجوفية، ومن حسن الحظ أن العالم لم يشهد إلا حالات نادرة تشبه حادث ميناماتا، حيث أدى التسمم بالزئبق الى موت مئات من الناس من جراء الاقدام على تفريغ النفايات السامة في البحر تفريغا مقصوداً وليس عرضيا، ولكن الواقع أن مثل هذه الحوادث ليست إلا أعراضا أولية لمشكلة أوسع وأعمق، فالخطر الحقيقي في الآثار طويلة الأجل التي قد تصيب البيئة وصحة الإنسان من جراء ملايين الأطنان من النفايات الخطرة المنتشرة على وجه الأرض، المطروحة في حفر والمفرغة في مصارف والمتروكة في الحقول والمهملة في المخازن والملقاة في البحار والمدفونة في باطن الأرض والمحرقة بلا تدابير وقائية مناسبة، والواقع أننا لا نزال نعاني حجما مفرطا من النفايات الخطرة التي تنتهي بها المطاف بأن تتسرب الى مياه الشرب وتلوث سلسلة الغذاء وتفسد الهواء.
وقد تجلى أثر النفايات الخطرة في الدول التي كانت تعرف سابقاً باسم الاتحاد السوفييتي، وخصوصا تلك التي تطل على بحر قزوين، حيث كان يتم التخلص من النفايات الخطرة هناك بطيش وبغير تمييز، وليس الحال بأفضل من ذلك في الدول التي كانت تعرف بدول الكتلة الشرقية، ففي براغ مثلا لا يستطيع مخططو المدينة تفسير مصدر 80 في المائة من كمية النفايات الخطرة التي تنتجها المدينة سنوياً والتي تقدر بنحو 40000 طن، وقد اكتشف مقلب نفايات سامة هناك يحتوي على 3500 طن من أحد سموم الأعصاب، وذلك بالقرب من كارلو فيغاري وهو منتجع يشتهر بعيون المياه الساخنة.

التخلص من النفايات الخطرة

 يمكن التخلص من النفايات الخطرة عن طريق حرقها عند درجات حرارة عالية، ولأن الحريق ينتج عنه رماد يحتاج الى طمره في أراضي الدفن فإن اللجوء إليه عملية اختيارية، وتجرى عملية تنفيذ الحرق وعمليات التكسير والتحليل الحراري بسرعة، ويمكن أن يجمع الرماد في أحواض مائية، في حين تمر الغازات الى غرف الحريق، وما يتبقى بعد العملية من غازات يمر من خلال عملية تنظيف تمتص الجسيمات ومكونات الأحماض، ويبقى ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء اللذان يطردهما تيار من الهواء الى الخارج، وقد حدثت في السنوات الأخيرة تطورات ملحوظة في تقنيات التخلص من النفايات الخطرة، بيد أن معظم هذه الأساليب مكلف، وتنتج عنه مشكلات بيئية غير محمودة الأثر، أما النفايات النووية فالوسيلة الوحيدة المناسبة للتخلص منها هي دفنها في طبقات جيولوجية معينة بعيدة عن مصادر المياه الجوفية والمناطق المأهولة بالسكان، وهو أمر مكلف جداً ويتطلب تقنيات عالية لتطبيقه، ولذلك عمدت الدول المتقدمة المنتجة للنفايات الخطرة والنفايات النووية إلى أسلوب آخر أيسر وأقل كلفة بكثير، ويتمثل هذا الأسلوب في استغلال الدول الفقيرة ونقل نفاياتها إليها، ويساعدها على تحقيق ذلك: الفساد الإداري والحكومي في الدول الفقيرة، الذي يسهل على الدول الغنية شراء ذمم المسؤولين ورشوتهم للسماح بتفريغ حمولات النفايات السامة والمشعة في البر أو في المياه الإقليمية لبلدانهم.
وقد نشطت عصابات المافيا أيضا في نقل النفايات الخطرة للشركات الأميركية والأوروبية الغربية، واشترك في تجارة الموت هذه الكثير من محترفي الاجرام والاحتيال والاتجار بالسموم والمخدرات، وأضحت عمليات الاتجار بالنفايات الخطرة تتم في العلن وعلى مرأى من الرأي العام العالمي، ولم تتورع مافيا النفايات عن نشر بعض الإعلانات في الصحف الأميركية ترويجاً لتجارتها المحرمة، وبذلك تحولت حركة النفايات الخطرة الى مشكلة عالمية وخصوصا حينما تنتقل إلى البلاد النامية التي لا تمتلك تجهيزات مناسبة للتخلص السليم من النفايات الخطرة، ولا يتوقع أن تمتلك تجهيزات في المستقبل القريب، والأمر المقزز أن تصدر هذه الممارسات اللاإنسانية من الدول التي تتباكى على حقوق الإنسان، والمفارقة المضحكة (والمبكية أيضا) أن هذه الدول تتبنى في سياساتها المعلنة شعارات بيئية، وهي لا تجد حرجاً في ان تحافظ على بيئتها من خلال تلويث بيئة الآخرين! وقد اجتذبت تجارة النفايات الخطرة عدداً كبيراً من الوسطاء والشركات التي تستغل فروق الأسعار والقوانين بين الدول الصناعية والنامية، وتشتد وطأة المشكلة في أفريقيا، حيث يدفع الوسطاء مبلغاً لا يتجاوز 40 دولاراً بالمقارنة مع ما بين 480 و 1440 دولاراً للطن في الولايات المتحدة، ومن المؤسف أن مسؤولين حكوميين كباراً في حكومات غربية استغلوا وجودهم في مناصب حساسة لتقديم عروض بدفن نفايات نووية في عدد من الدول الفقيرة مقابل تزويدها بالتكنولوجيا المتقدمة.
ويواجه العالم الآن ذلك المنظر البشع واللاأخلاقي للسفن المحملة بالنفايات الخطرة تجوب البحار بحثا عن ميناء يستقبلها في الدول النامية والمواد الكيماوية السامة التي تتسرب من براميل تركتها السفن على أرصفة موانئ الدول النامية، والأبشع من ذلك كله: السفن التي تفرغ حمولتها في مياه البحر تحت جنح الظلام.
وما يثير الاشمئزاز ان تصرح الدول الصناعية علانية بأن تصدير النفايات الخطرة إلى دول العالم الثالث هو أفضل حل فني للمشكلة وأن تقف هذه الدول ضد قرار يتعلق بحظر تصدير هذه النفايات إلى الدول النامية إبان انعقاد مؤتمر (بازل) بسويسرا في 30 مارس 1989، بل إن أقصى ما استطاعت الدول الفقيرة المشاركة في المؤتمر المذكور أن تصل إليه هو وضع بند في الاتفاقية التي أسفر عنها المؤتمر ينص على الاعتراف بحق كل دولة في منع استيراد النفايات الخطرة، وبموجب ذلك تلزم الاتفاقية الأطراف الموقعة عليها بعدم شحن النفايات السامة إلى الدول التي حظرت استيرادها.

 

     الوعي الكويت

بقلم الكاتب:   م. محمد عبدالقادر الفقي ـ مصر

© 2014 Powered By imad-mojahid

FrenchMorocco
الصعود لأعلى