عبد الرحيم جناتي
في وقت تعرف المرافق العمومية تحولات كمية و نوعية نتيجة عملية الإصلاحات التي انخرطت فيها هذه المرافق فإن مساهمتنا في دراسة اختصاصات الأقسام الاقتصادية بالولايات و العمالات و الأقاليم هي تحصيل حاصل للمجهودات التي تبذلها هذه الأقسام من أجل الدفع بعمليات الإصلاح إلى الأمام.
إن الدراسة المنهجية للموضوع لا يجب أن تقف عند حدود الهوية و الاختصاص المرتبطة واقعيا و عمليا بمجمل المتغيرات التي تحيل المرفق العمومي إلى أداة أو وسيلة من أجل مواكبة السياسات العامة للدولة و التي اصطبغت في مرحلة معينة من تاريخها بالنزعة التدخلية و ذلك من أجل التحكم في استراتيجيات ما يسمى التنمية.
إن المد و الجزر الذي ساد المرفق العمومي قد ألقى بظلاله على هذه الأقسام و كانت مثار نقاشات مستفيضة تصل بعض الأحيان لتفسيرات ضيقة بل و مغلوطة.
إن الأقسام الاقتصادية بالولايات و العمالات و الأقاليم اعتبرت بحق آلية للاختيارات الاقتصادية و الاجتماعية التي لم تكن تنأى عن المتطلبات السياسية و عن المنهج الذي اتبعته الحكومات المتعاقبة على المغرب و اعتبرت كأجهزة تقدم خدماتها وفق هذه التصورات.
من المؤكد أن هذه الأقسام و لكي تمارس الوظائف التي أعدت لها انفتحت عبر المراحل التاريخية على المتغيرات و التطورات التي عرفتها المرافق العمومية إلا أنه و بالتأكيد نالت حصة الأسد من هذه المتغيرات و التي سوف نتناولها في هذا الموضوع المبسط آملين أن تستوفي الموضوع جزء من مهمة هذه الأقسام.
المراحل التي مرت منها الأقسام الاقتصادية بالولايات و العمالات.
لا يجادل أحد في كون المرحلة التدخلية للدولة في الميدان الاقتصادي و الاجتماعي عرفت تطورات أفضت في فترة معينة من التاريخ المغربي بالتصاعد و يمكن تتبع أنشطة هذه الأقسام من خلال الفترة الممتدة من سنة 1971 إلى سنة 1980 ثم من سنة 1981 بداية تحرير الاقتصاد المغربي (في قطاعات متعددة) و إلى غاية 20 يونيو 2001 ففي الفترة الأولى المشار إليها أعلاه فإن الاتجاه الغالب على أعمال هذه الأقسام اتسم بنوع من التذبذب الناتج أساسا عن عدم توفر أطر كفؤة و محنكة لتساير التوجهات العامة للبلاد في ميادين الاقتصاد و الاستثمار و لتعمل على ضبط آليات السوق خصوصا و أن الفترة الممتدة من 1971 إلى 1973 قد عرفت نوعا من اللا استقرار اقتصادي ناتج عن الأزمة الاقتصادية العالمية و التي كانت تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني (ارتفاع ثمن البترول في سنة 1971 و 1973 ).
و رغم التذبذب الذي عرفته أنشطة هذه الأقسام فإنها لم تتوان بتقديم الاقتراحات و العمل على إيجاد السبل الكفيلة لمحاربة زيادة الأسعار و المحافظة على ضبط التوازنات المحلية ووضع استراتيجيات للتنمية المحلية و ذلك بخلق مصالح تعنى بتنشيط الاقتصاد المحلي و الاستثمارات.
إن التجاذب بين ما هو اقتصادي و اجتماعي و سياسي أفضى في الأخير إلى الغموض في التسيير و يمكن اعتبار هذه الفترة مرحلة انتقالية بفعل أن هذه الأقسام كانت بمثابة اليافطة التي يتم حملها في أي توجه للدولة و أضحت بذلك الإطار الذي يمكن منه تمرير السياسات الاقتصادية للدولة و من تم فإن الغموض المعبر عنه يمكن قراءته من خلال الاختلاف البين في الرؤى و الرؤية من قسم اقتصادي لآخر بل و حتى المصالح المكونة لهذه الأقسام لم تكن مضبوطة بالشكل و الهدف.
أصبح دور هذه الأقسام خلال هذه المرحلة لا غنى عنه إلا أنها كانت مسيرة بأطر غير مختصة.
إصدار قانون 008.71 المتعلق بتنظيم الأثمان و مراقبتها و ذلك في 12 أكتوبر 1971 سيجعل من أحد أهم مصالح هذه الأقسام و هي مصلحة مراقبة الأسعار و التقنين تلعب دورا طلائعيا في ضبط الأسعار.
و هو ما سيجعل هذه الأقسام مثار نقاشات حول عملها و ضبط آلياتها القانونية في عمليات التدخل و ستشهد الفترة الثانية و بالضبط سنة1984 تخرج الفوج الأول من مراقبي الأسعار و الذي سيتم إلحاقهم بمصالح هذه الأقسام و خصوصا في مصلحة مراقبة الأسعار و التقنيين أو التموين سيتبعها لاحقا تطعيم هذه الأقسام بأطر عليا لملاءمة أعمال هذه الأقسام مع التوجهات العامة في الميادين الاقتصادية و اجتماعية و ليقطع دابر التنظيم العشوائي المتسم بما سمي حينها” الاضطرار لملء الفراغات في إسناد المناصب” و شهدت هذه الفترة تخرج الفوج الأول من رؤساء الأقسام الاقتصادية و كانت البداية في وضع تصور أكثر تنظيما ينبذ كل السلبيات السابقة و يعمل على إيجاد صيغ جديدة لهياكل هذه الأقسام و تماشيا مع روح التوجه الجديد عملت مديرية التقنين و مراقبة التموين آنذاك على تتبع أعمال و نشاطات هذه الأقسام. إن على المستوى التوجيهي أو التنظيمي و أرست مناهج و خطط للرفع من مقدراتها و كفاءة مسيريها مع تتبع مردودية الأطر و مكافأتها أو العمل على توجهها و توجيهها.
و هكذا نلاحظ أن التركيز انصب بالأساس على الخروج من المرحلة الانتقالية و الانطلاق نحو آفاق أكثر رحابة و ذلك بإرساء دعائم التوجيه من خلال القرارات و التنظيمات و القوانين سواء الفرعية أو الرئيسية أو من حيث الجوانب التسييرية حيث أصبحنا خلال هذه الفترة نتكلم عن ” الموظف المناسب في المكان المناسب”.
إن انفتاح هذه الأقسام على الكفاءات لم يخل في أحايين عديدة عن تعثرات ناتجة بالأساس عن التدرج الهرمي الأعلى لسلطة بعض الرؤساء الذين تشبثوا بالتسيير التقليدي لهذه الوحدات بمنأى عن الأهداف المسطرة لتسيير هذه الأقسام و هذا الواقع نتج عنه تشتت و ضياع روح المبادرة و ضعف في المشاركة في صنع القرار من طرف أطراف يفترض فيهم مشاركون في صنع قرار تسيير دوالب هذه الأقسام و إذا عدنا إلى كتاب د. بنضراوي عبد الرحيم ” حماية المستهلك REMAID سيتبين لنا أن مديرية التقنين و مراقبة التمرين قامت في الفترة الممتدة من 1980 إلى 1997 لتكوين1038 إطارا همت بالأساس 168 إطار من رؤساء الأقسام الاقتصادية و الاجتماعية و 117 مراقب الأسعار و 69 إطار من محللي الظرفية و 68 إطار همت تسيير الشؤون السياحية إضافة إلى 111 إطار في تسيير شؤون الحسبة كما تم تسجيل في نفس المصدر من الفترة الممتدة من سنة 1985 إلى سنة 2000 أكثر من 446130 مخالفة أي بمعدل متوسط 27883 مخالفة في السنة. يبدو أن تفكير هذه الأقسام من خلال دراسة المعطيات الإحصائية انصب بالأساس على العمل بوضع تصور يتغيأ وضع آفاق تتجه نحو حماية المستهلك من كل وضع فجائي و الإقرار كذلك بسياسة انفتاحية على مستوى استكمال البناء و يمكن تلخيص محاور عمليات الإصلاح في النقط التالية:
– تنظيم العمل الإداري وإتقانه.
– تسهيل انفتاح هذه الأقسام على المحيط.
– توفير السبل للإجابة على مختلف شكايات و استفسارات المواطنين.
– العمل على إيجاد الصيغ الجديدة للإصلاح وفق مفهوم المرتفق/المواطن.
– سن سياسة الباب المفتوح.
– إعادة الثقة للأطر و إشراكها فعليا في صنع القرار.
– رسم الأهداف على أسس برامج محددة سلفا.
– الارتكاز على الأساس القانوني في أي عمل تقوم
به مصالح هذه الأقسام.
و هدفت الهندسة الجديدة للولايات و العمالات و الأقاليم إلى تحديد عدد مصالح هذه الأقسام في ثلاث مصالح و هي مصلحة المراقبة و مصلحة الدراسات و التخطيط و تنسيق البرامج و كذا مصلحة العمل و التنشيط الاقتصادي و تم تسمية الأقسام بتنسيق الشؤون الاقتصادية بدل الأقسام الاقتصادية و الاجتماعية.
إن الإنتقال من مرحلة سادها نوع من التذبذب و اتسمت بالبطء في الإعداد و البساطة في اتخاذ القرار فإن القطع مع المرحلة السابقة بهامش من الحركية المضبوطة في إطار القوانين الجاري بها العمل تجعلنا أما أقسام مثال في حسن التسيير و بغض النظر عن بعض الاستثناءات فإن هذه الأقسام توجد في قلب الحركة المتسارعة للإصلاح. إن اعتماد التدرج كمنهجية للانتقال أضحت الوسيلة الأنجع للمزج بين القديم و القائم على أساس إعادة إنتاج قيم مواكبة للتطورات الجديدة منتقاة للعقليات الموازية لهذه التطورات تتنسم من نسيم الفضاء الجديد المسمى الإصلاح الإداري الذي يسمح نظريا بفسح المجال للقدرات و الطاقات الإدارية من ولوج ثقب المرحلة الجديدة.
توخى الموضوع طرح دور الأقسام الاقتصادية و اجتماعية في الولايات و العمالات و الأقاليم بغية الإدلاء بدلونا حول النقاشات التي تثار من حين لآخر حول مكانة هذه الأقسام التي تعتبر بحق الركيزة الأساسية لدعم السياسة الاقتصادية و الاجتماعية لبلدنا و للسير بقطاع النمو نحو الأمام و لا شك أن انخراط هذه الأقسام في مسألة الإصلاح الإداري لم تكن وليدة اليوم بل كانت بالفعل السباقة للقيام بذلك.